الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
(قوله: وندب الأربع قبل العصر والعشاء وبعدها والست بعد المغرب) بيان للمندوب من النوافل أما الأربع قبل العصر فلما رواه الترمذي وحسنه عن علي رضي الله عنه قال {كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين» وروى أبو داود عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين» فلذا خيره في الأصل بين الأربع وبين الركعتين والأفضل الأربع وإنما لم تكن الركعتان سنة راتبة لأنها ثابتة بيقين ويكون الأربع مستحبا لأنه لم يذكر في حديث عائشة رضي الله عنها للعصر سنة راتبة أصلا كما في البدائع فلذا لم يجعل له سنة وأما الأربع قبل العشاء فذكروا في بيانه أنه لم يثبت أن التطوع بها من السنن الراتبة فكان حسنا لأن العشاء نظير الظهر في أنه يجوز التطوع قبلها وبعدها كذا في البدائع ولم ينقلوا حديثا فيه بخصوصه لاستحبابه وأما الأربع بعدها ففي سنن أبي داود عن شريح بن هانئ قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: «ما صلى العشاء قط فدخل بيتي إلا صلى فيه أربع ركعات أو ست ركعات» قال في فتح القدير الذي يقتضيه النظر كون الأربع بعد العشاء سنة لنقل المواظبة عليها في أبي داود فإنه نص في مواظبته على الأربع دون الست للمتأمل ا هـ. وقد يقال إنما لم تكن الأربع سنة لما في الصحيحين عن {ابن عمر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين بعد الجمعة» وحدثتني حفصة بنت عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر» ا هـ فهو معارض لنقل المواظبة على الأربع فلذا لم تكن سنة وأما الستة بعد المغرب فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى بعد المغرب ست ركعات كتب من الأوابين وتلا قوله تعالى: {إنه كان للأوابين غفورا}» وذكر في التجنيس أنه يستحب أن يصلي الست بثلاث تسليمات ولم يذكر المصنف من المندوبات الأربع بعد الظهر وصرح باستحبابها جماعة من المشايخ لحديث أبي داود والترمذي والنسائي وحكى في فتح القدير اختلافا بين أهل عصره في مسألتين الأولى هل السنة المؤكدة محسوبة من المستحب في الأربع بعد الظهر وبعد العشاء وفي الست بعد المغرب أو لا الثانية على تقدير الأول هل يؤدي الكل بتسليمة واحدة أو بتسليمتين واختار الأول فيهما وأطال الكلام فيه إطالة حسنة كما هو دأبه وظاهره أنه لم يطلع عليه في كلام من تقدمه ولم يذكر المصنف من المندوبات صلاة الضحى للاختلاف فيها فقيل لا تستحب لما في صحيح البخاري من إنكار ابن عمر لها وقيل مستحبة لما في صحيح مسلم عن عائشة: «أنه عليه السلام كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء» وهذا هو الراجح ولا يخالفه ما في الصحيحين عنها: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط وإني لأسبحها» لاحتمال أنها أخبرت في النفي عن رؤيتها ومشاهدتها وفي الإثبات عن خبره عليه السلام أو خبر غيره عنه أو أنها أنكرتها مواظبة وإعلانا ويدل لذلك كله قولها وإني لأسبحها وفي رواية الموطإ وإني لأستحبها من الاستحباب وهو أظهر في المراد وظاهر ما في المنية يدل على أن أقلها ركعتان وأكثرها ثنتا عشرة ركعة لما رواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من العابدين ومن صلى ستا كفى ذلك اليوم ومن صلى ثمانيا كتبه الله من القانتين ومن صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة وما من يوم وليلة إلا ولله من يمن به على عباده وصدقة وما من الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره» قال المنذري ورواته ثقات ولم أر بيان أول وقتها وآخره لمشايخنا هنا ولعلهم تركوه للعلم به وهو أنه من ارتفاع الشمس إلى زوالها كما لا يخفى ثم رأيت صاحب البدائع صرح به في كتب الأيمان فيما إذا حلف ليكلمنه الضحى فقال: إنه من الساعة التي تحل فيها الصلاة إلى الزوال وهو وقت صلاة الضحى ا هـ. ومن المندوبات تحية المسجد وقد قدمناها في أحكام المسجد قبيل باب الوتر وصرح في الخلاصة باستحبابها وأنها ركعتان ومن المندوبات ركعتان عقيب الوضوء كما في شرح النقاية والتبيين ومن المندوبات صلاة الاستخارة وقد أفصحت السنة ببيانها فعن جابر قال {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجله فاصرفه عني واصرفني عنه وقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به قال ويسمي حاجته» رواه البخاري وغيره ومن المندوبات صلاة الحاجة وهي ركعتان كما ذكره في شرح منية المصلي مع ما قبله من الاستخارة والأحاديث بها مذكورة في الترغيب والترهيب ومن المندوبات صلاة الليل حثت السنة الشريفة عليها كثيرا وأفادت أن لفاعلها أجرا كبيرا فمنها ما في صحيح مسلم مرفوعا: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» وروى ابن خزيمة مرفوعا: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم» وروى الطبراني مرفوعا: «لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل» ا هـ. وهو يفيد أن هذه السنة تحصل بالتنفل بعد صلاة العشاء قبل النوم وقد تردد في فتح القدير في صلاة التهجد أهي سنة في حقنا أم تطوع وأطال الكلام على وجه التحقيق كما هو دأبه وأوسع منه ما ذكره في أواخر شرح منية المصلي ومن المندوبات إحياء ليالي العشر من رمضان وليلتي العيدين وليالي عشر ذي الحجة وليلة النصف من شعبان كما وردت به الأحاديث وذكرها في الترغيب والترهيب مفصلة والمراد بإحياء الليل قيامه وظاهره الاستيعاب ويجوز أن يراد غالبه ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد قال في الحاوي القدسي ولا يصلى تطوع بجماعة غير التراويح وما روي من الصلوات في الأوقات الشريفة كليلة القدر وليلة النصف من شعبان وليلتي العيد وعرفة والجمعة وغيرها تصلى فرادى انتهى ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب في أول ليلة جمعة منه وأنها بدعة وما يحتاله أهل الروم من نذرها لتخرج عن النفل والكراهة فباطل وقد أوضحه العلامة الحلبي وأطال فيه إطالة حسنة كما هو دأبه وفي الفتاوى البزازية. (قوله: وكره الزيادة على أربع في نفل النهار وعلى ثمان ليلا) أي بتسليمة والأصل فيه أن النوافل شرعت توابع للفرائض والتبع لا يخالف الأصل فلو زيدت على الأربع في النهار لخالفت الفرائض وهذا هو القياس في الليل إلا أن الزيادة على الأربع إلى الثمان عرفناه بالنص وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «كان يصلي بالليل خمس ركعات سبع ركعات تسع ركعات إحدى عشرة ركعة ثلاث عشرة ركعة» والثلاث من كل واحد من هذه الأعداد الوتر وركعتان سنة الفجر فيبقى ركعتان وأربع وست وثمان فيجوز إلى هذا القدر بتسليمة واحدة من غير كراهة واختلف المشايخ في الزيادة على الثمان بتسليمة واحدة مع اختلاف التصحيح فصحح الإمام السرخسي عدم الكراهة معللا بأن فيه وصل العبادة بالعبادة وهو أفضل ورده في البدائع بأنه يشكل بالزيادة على الأربع في النهار قال والصحيح أنه يكره لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وفي منية المصلي أن الزيادة المذكورة مكروهة بالإجماع أي بإجماع أبي حنيفة وصاحبيه وبه يضعف قول السرخسي وصحح في الخلاصة ما ذهب إليه السرخسي ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل أنه {كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا» إلا أن هذا يقتضي عدم جواز القعود فيها أصلا إلا بعد الثامنة وجواز التنفل بالوتر من الركعات وكلمتهم على وجوب القعدة على رأس الركعتين من النفل مطلقا وإنما الخلاف في الفساد بتركها وعلى كراهة التنفل بالوتر من الركعات ومن العجب ما ذكره الطحاوي من رده استدلالهم على إباحة الثمان بتسليمة واحدة بما ثبت عن عائشة من رواية الزهري أنه كان يسلم من كل اثنتين منهن ولم نجد عنه من فعله ولا من قوله أنه أباح أن يصلي في الليل بتكبيرة أكثر من ركعتين وبذلك نأخذ وهو أصح القولين في ذلك انتهى وذكر في غاية البيان أن الحق ما قاله الطحاوي لأن استدلالهم استدلال بالمحتمل فلا يكون حجة وهذا لأنه يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي أربع ركعات فرض العشاء وأربع ركعات سنة العشاء وثلاث ركعات الوتر فيكون المجموع إحدى عشرة ركعة وليس في حديث عائشة قيد التطوع حتى يدل على إباحة الثمان على أن عائشة في رواية الزهري عن عروة فسرت الإجمال وأزالت الاحتمال فلم يدل على إباحة ثمان ركعات بتسليمة انتهى لأن ما ذكرناه عن صحيح مسلم صريح في رد كلام الطحاوي ومن تبعه لأن الثمان كانت نفلا بتسليمة واحدة. (قوله: والأفضل فيهما الرباع) أي الأفضل في الليل والنهار أربع ركعات بتسليمة واحدة عند أبي حنيفة وقالا في الليل ركعتان لحديث الصحيحين عن ابن عمر {أن رجلا قال يا رسول الله كيف صلاة الليل قال مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة» ولأبي حنيفة ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: «ما كان يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا» وما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان عليه الصلاة والسلام يصلي الضحى أربعا ولا يفصل بينهن بسلام» وما تقدم من حديث أبي أيوب وغيره في سنة الظهر والجمعة ثم الجواب عن دليلهما كما أفاده المحقق في فتح القدير مختصرا أن مقتضى لفظ الحديث إما مثنى في حق الفضيلة بالنسبة إلى الأربع أو في حق الإباحة بالنسبة إلى الفرد وترجيح أحدهما بمرجح وفعله صلى الله عليه وسلم ورد على كلا النحوين لكن عقلنا زيادة فضيلة الأربع لأنها أكثر مشقة على النفس بسبب طول تقييدها في مقام الخدمة ورأيناه صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أجرك على قدر نصبك» فحكمنا بأن المراد الثاني لا واحدة أو ثلاث ولهذا ذكر في زيادات الزيادات أن من نذر أن يصلي أربعا بتسليمة فصلاها بتسليمتين لم يجزه ولو نذر أن يصلي أربعا بتسليمتين فصلاها بتسليمة واحدة جاز عن نذره وفي المحيط وإنما اخترنا في التراويح مثنى مثنى لأنها تؤدى بالجماعة وأداؤها على الناس مثنى مثنى أخف وأيسر. (قوله: وطول القيام أحب من كثرة السجود) أي أفضل من عدد الركعات وقد اختلف النقل عن محمد في هذه المسألة فنقل الطحاوي عنه في شرح الآثار كما في الكتاب وصححه في البدائع ونسب ما قابله إلى الشافعي ووجهه ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصلاة طول القنوت» والمراد بالقنوت القيام بدليل ما رواه أحمد وأبو داود مرفوعا: «أي الصلاة أفضل قال عليه الصلاة والسلام طول القيام» ولأن ذكره القراءة وذكر الركوع والسجود التسبيح ونقل عنه في المجتبى أن كثرة الركوع والسجود أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام للسائل كما في صحيح مسلم: «عليك بكثرة السجود ولآخر أعني على نفسك بكثرة السجود» وقوله عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» ولأن السجود غاية التواضع والعبودية ولتعارض الأدلة توقف الإمام أحمد في هذه المسألة ولم يحكم فيها بشيء وفصل الإمام أبو يوسف كما في المجتبى والبدائع فقال إذا كان له ورد من الليل بقراءة من القرآن فالأفضل أن يكثر عدد الركعات وإلا فطول القيام أفضل لأن القيام في الأول لا يختلف ويضم إليه زيادة الركوع والسجود انتهى والذي ظهر للعبد الضعيف أن كثرة الركعات أفضل من طول القيام لأن القيام إنما شرع وسيلة إلى الركوع والسجود كما صرحوا به في صلاة المريض من أنه لو قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود سقط عنه القيام مع قدرته عليه لعجزه عما هو المقصود فلا تكون الوسيلة أفضل من المقصود وأما لزومه لكثرة القراءة فلا يفيد الأفضلية أيضا لأن القراءة ركن زائد كما صرحوا به مع الاختلاف في أصل ركنيتها بخلاف الركوع والسجود أجمعوا على ركنيتهما وأصالتهما كما قدمناه مع تخلف القيام عن القراءة في الفرض فيما زاد على الركعتين فترجح هذا القول بما ذكرنا بعد تعارض الدلائل المتقدمة. (قوله: والقراءة فرض في ركعتي الفرض) أي فرض عملي كما في السراج الوهاج للاختلاف فيه بين العلماء ولم يقيد الركعتين بالأوليين لأن تعيينهما للقراءة ليس بفرض وإنما هو واجب على المشهور في المذهب وصرح به المصنف في عد الواجبات وصحح في البدائع أن محلها الركعتان الأوليان عينا في الصلاة الرباعية وقال بعضهم ركعتان منها غير عين مع اتفاقهم على أنه لو قرأ في الأخريين فقط فإنها صحيحة وأنه يجب عليه سجود السهو إن كان ساهيا على كلا القولين المذكورين ففائدة الاختلاف إنما هو في سبب سجود السهو فعلى ما صححه سببه تغيير الفرض عن محله وتكون قراءته في الأخريين قضاء عن قراءته في الأوليين وعلى قول البعض سببه ترك الواجب وقراءته في الأخريين أداء لا قضاء والأمر سهل وما في غاية البيان من أن تعيين القراءة في الأوليين أفضل إن شاء قرأ فيهما وإن شاء قرأ في الأخريين أو في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ضعيف لتصريح الجم الغفير بالوجوب في الأوليين لا بالأفضلية وإنما كانت فرضا في ركعتين لقوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} وهو لا يقتضي التكرار فكان مؤداه افتراضها في ركعة إلا أن الثانية اعتبرت شرعا كالأولى فإيجاب القراءة فيها إيجاب فيهما دلالة وأما قوله عليه السلام في حديث المسيء صلاته {ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم قال في آخره ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» فلا يثبت به الفرض لأن القطعي لا يثبت بالظني وإنما لم تكن القراءة في الأخريين واجبة في الفرض كما هو الصحيح من المذهب مع وجود الأمر المذكور المقضي للوجوب لوجود صارف له عنه وهو قول الصحابة على خلافه كما رواه ابن أبي شيبة عن علي وابن مسعود قال اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين لكن ذكر المحقق في فتح القدير أنه لا يصلح صارفا إلا إذا لم يرد عن غيرهما من الصحابة خلاف وإلا فاختلافهم في الوجوب لا يصرف دليل الوجوب عنه فالأحوط رواية الحسن رحمه الله بالوجوب في الأخريين انتهى وقد يقال أن مقتضاه لزوم قراءة ما تيسر في الأخريين وجوبا لا تعيين الفاتحة كما هو رواية الحسن فليس موافقا لكل من الروايتين وفي القنية لم يقرأ في الأوليين وقرأ في الأخريين الفاتحة في الصلاة على قصد الثناء والدعاء لا يجزئه انتهى مع أن المنقول في التجنيس أنه إذا قرأ الفاتحة في الصلاة على قصد الثناء جازت صلاته لأنه وجدت القراءة في محلها فلا يتغير حكمها بقصده وهكذا في الظهيرية ثم ذكر بعده ما في القنية عن شمس الأئمة الحلواني ووجهه أن القراءة ليست في محلها فتغيرت بقصده كما يشير إليه تعليله في التجنيس. (قوله: وكل النفل والوتر) أي القراءة فرض في جميع ركعات النفل والوتر أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة ولهذا لا يجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا ولهذا قالوا يستفتح في الثالثة وأما الوتر فللاحتياط كذا في الهداية وزاد في فتح القدير ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في كل قعدة وقياسه أن يتعوذ في كل شفع انتهى إلا أنه لا يتم لأنه لا يشمل السنة الرباعية المؤكدة كسنة الظهر القبلية فإن القراءة فرض في جميع ركعاتها مع أن القيام إلى الثالثة ليس كتحريمة مبتدأة بل هي صلاة واحدة ولهذا لا يستفتح في الشفع الثاني ولا يصلي في القعدة الأولى ولا يبطل خيارها بقيامها فيها إلى الشفع الثاني وإن أريد بالنفل في كلامهم ما ليس سنة مؤكدة لم يتم أيضا لخلوه عن إفادة حكم القراءة في السنة المؤكدة وإنما لم تكن القعدة على رأس كل شفع فرضا كما هو قول محمد وهو القياس لأنها فرض للخروج من الصلاة فإذا قام إلى الثالثة تبين أن ما قبلها لم يكن أو أن الخروج من الصلاة فلم تبق القعدة فريضة بخلاف القراءة فإنها ركن مقصود بنفسه فإذا تركه تفسد صلاته. (قوله: ولزم النفل بالشروع ولو عند الغروب والطلوع) بيان لما وجب على العبد من الصلاة بالتزامه وهو نوعان ما وجب بالقول وهو النذر وما وجب بالفعل وهو الشروع في النفل فنبدأ به تبعا للكتاب فنقول إن إبطال العمل حرام بالنص {ولا تبطلوا أعمالكم} فيلزمه الإتمام لأن الاحتراز عن إبطال العمل فيما لا يحتمل الوصف بالتحري لا يكون إلا بالتمام لأن المؤدى وقع قربة بدليل أنه لو مات بعد القدر المؤدى يصير مثابا وقد اتفق أصحابنا على لزوم القضاء في إفساد الصلاة والصوم سواء كان بعذر كالحيض في خلالهما أو بغير عذر وأنه يحل الإفساد لعذر فيهما وأنه لا يحل الإفساد في الصلاة لغير عذر واختلفوا في إباحته في الصوم لغير عذر ففي ظاهر الرواية لا يباح وفي رواية المنتقى يباح كما سيأتي في الصوم وقوله ولو عند الغروب بيان لكونه لازما له إذا شرع فيه في وقت مكروه وهو ظاهر الرواية فإذا أفسده لزمه قضاؤه بخلاف الصوم إذا شرع في وقت مكروه فإنه لا قضاء عليه بالإفساد وسيأتي الفرق إن شاء الله تعالى في الصوم وفي البدائع وعندنا الأفضل أن يقطعها وإن أتم فقد أساء ولا قضاء عليه لأنه أداها كما وجبت فإذا قطعها لزمه القضاء انتهى وينبغي أن يكون القطع واجبا خروجا على المكروه تحريما وليس بإبطال للعمل لأنه إبطال ليؤديه على وجه أكمل فلا يعد إبطالا ولو قضاه في وقت مكروه آخر أجزأه لأنها وجبت ناقصة وأداها كما وجبت فيجوز كما لو أتمها في ذلك الوقت أطلق الشروع فانصرف إلى الصحيح فلو لم يكن صحيحا لا قضاء عليه كما لو شرع في صلاة أمي متطوعا أو في صلاة امرأة أو جنب أو محدث كما في البدائع وانصرف إلى القصدي فالشروع في الصلاة المظنونة غير موجب والمراد بالشروع هو الدخول فيها بتكبيرة الافتتاح أو بالقيام إلى الشفع الثاني بعد الفراغ من الأول صحيحا فإذا أفسد الشفع الثاني لزمه قضاؤه فقط ولا يسري إلى الأول لما تقدم أن كل شفع منه صلاة على حدة إلا إذا صلى ثلاث ركعات بقعدة واحدة فإن الأصح أنه لا يجوز وفسد الشفع الأول لأن ما اتصل به القعدة وهي الركعة الأخيرة فسدت لأن التنفل بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما قبلها كذا في البدائع ثم هذا النفل إذا صار لازما بالشروع لا يخرج عن أصل النفلية ولهذا لو اقتدى متطوعا بإمام مفترض ثم قطعه ثم اقتدى به ولم ينو القضاء فإنه يخرج عن العهدة ولو نوى تطوعا آخر ذكر في الأصل أنه ينوب عما لزمه بالإفساد وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وذكر في زيادات الزيادات أنه لا ينوب كما في البدائع أيضا وأما ما يجب بالقول وهو النذر ففي القنية أداء النفل بعد النذر أفضل من أدائه بدون النذر ثم نقل أنه لو أراد أن يصلي نوافل قيل ينذرها ثم يصليها وقيل يصليها كما هي انتهى ويشكل عليه ما رواه مسلم في صحيحه من النهي عن النذر وهو مرجح لقول من قال لا ينذرها لكن بعضهم حمل النهي على النذر المعلق على شرط لأنه يصير حصول الشرط كالعوض للعبادة فلم يكن مخلصا ووجه من قال بنذرها وإن كانت تصير واجبة بالشروع أن الشروع في النذر يكون واجبا فيحصل له ثواب الواجب به بخلاف النفل والأحسن عند العبد الضعيف أنه لا ينذرها خروجا عن عهدة النهي بيقين ثم المنذور قسمان منجز ومعلق فالمنجز يلزم الوفاء به إن كان عبادة مقصودة بنفسها ومن جنسها واجب فيحرم عليه الوفاء بنذر معصية ولا يلزمه بنذر مباح من أكل وشرب ولبس وجماع وطلاق ولا بنذر ما ليس بعبادة مقصودة كنذر الوضوء لكل صلاة وكذا لو نذر سجدة التلاوة خلافا لما في القنية من أنها تلزمه بخلاف ما إذا قال سجدة لا تلزمه ولا بنذر ما ليس من جنسه واجب كعيادة المريض وتشييع الجنازة قال في البدائع ومن شروطه أن يكون قربة مقصودة فلا يصح النذر بعيادة المرضى وتشييع الجنائز والوضوء والاغتسال ودخول المسجد ومس المصحف والأذان وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك وإن كانت قربا لأنها غير مقصودة فلو قال لله علي أن أصلي أو أصلي صلاة أو علي صلاة لزمه ركعتان وكذا لو قال لله علي أن أصلي يوما لزمه ركعتان كما في القنية فلو نذر صلوات شهر فعليه صلوات شهر كالمفروضات مع الوتر دون السنن لكنه يصلي الوتر والمغرب أربعا ولو نذر أن يصلي ركعة لزمه ركعتان أو ثلاثا فأربع لأن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله كما عرف ولو نذر نصف ركعة لزمه ركعتان عند أبي يوسف وهو المختار كما في الخلاصة والتجنيس ولو نذر أن يصلي الظهر ثمانيا أو أن يزكي النصاب عشرا أو حجة الإسلام مرتين لا يلزمه الزائد لأنه التزام غير المشروع فهو نذر بمعصية كما لو نذر صلاة بغير وضوء لأنها ليست بعبادة بخلاف ما لو نذرها بغير قراءة أو عريانا فإنها تلزمه بقراءة مستورا على المختار لأنها بغير قراءة عبادة كصلاة المأموم والأمي وبغير ثواب لعادمه والظاهر أن مرادهم بغير وضوء بغير طهارة أصلا تجوزا بالخاص عن العام ليكون المشروع الأصلي في مثله هو الخاص وإلا فالصلاة بغير وضوء مشروعة بالتيمم عند العجز عن استعمال الماء وينبغي أن يلزم النذر بالصلاة بغير طهارة على قول أبي يوسف كما قال به بغير وضوء لأنه يقول بمشروعيتها لفاقد الطهورين كما عرف وكأنه لندرته لم يفرع عليه وفي شرح المجمع لمصنفه لو قال صلاة بطهارة بلا طهارة يلزمه بطهارة اتفاقا وأما المعلق فظاهر الرواية أنه يلزمه الوفاء به عند وجود الشرط كما في الظهيرية و اختار المحققون أنه إن كان معلقا على شرط يريد كونه لجلب منفعة أو دفع مضرة كأن شفى الله مريضي أو مات عدوي فلله علي صوم أو صدقة أو صلاة لا يجزئه إلا فعل عينه وإن كان معلقا على شرط لا يريد كونه كأن دخلت الدار أو كلمت فلانا كان مخيرا بين الوفاء به وبين كفارة اليمين وصححه في الهداية وقال إن أبا حنيفة رجع عن غيره وكذا في الظهيرية وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد ثم في المعلق لا يجوز تعجيله قبل وجود الشرط بخلاف المضاف كأن نذر أن يصلي في غد فصلى اليوم فإنه يجوز عندهما خلافا لمحمد والفرق أن المعلق لا ينعقد سببا في الحال بل عند الشرط والمضاف ينعقد في الحال كما عرف في الأصول وأوضحناه في لب الأصول ولو عين مكانا فصلى فيما هو أشرف منه أو دونه جاز خلافا لزفر في الثاني وذكر في المصفى أن أقوى الأماكن المسجد الحرام ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم مسجد بيت المقدس ثم الجامع ثم مسجد الحي ثم البيت وذكر في الغاية بعد مسجد بيت المقدس مسجد قباء ثم الأقدم فالأقدم ثم الأعظم وذكر النووي أن هذه الفضيلة مختصة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده فعلى هذا تكون الصلاة في مسجد بيت المقدس أفضل من الصلاة في تلك الزيادة إلا أن يكون فناء هذا المسجد في حكمه في الفضيلة تشريفا له وهي كانت من فنائه قبل أن تجعل منه والله أعلم بالصواب وفي عدة المفتي للصدر الشهيد مريض قال إن شفاني الله تعالى على أن أقدر فأصلي ركعة فلله علي أن أتصدق بدرهم هكذا إلى أربعة دراهم فقدر على أربع ركعات يجب عليه التصدق بعشرة دراهم انتهى ووجهه أنه يلزمه بالركعة الأولى درهم وبالثانية درهمان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة فالجملة عشرة دراهم وفي القنية أوجب على نفسه صلاة في وقت بعينه يتعين ولو فات يقضيها كالصوم ولو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة يصلي في التشهد ويستفتح إذا قام إلى الثالثة ا هـ. (قوله: وقضى ركعتين لو نوى أربعا وأفسده بعد القعود الأول أو قبله) يعني فيلزمه الشفع الثاني إن أفسده بعد القعود الأول والشروع في الثاني والشفع الأول فقط إن أفسده قبل القعود بناء على أنه لا يلزمه بتحريمة النفل أكثر من الركعتين وإن نوى أكثر منهما وهو ظاهر الرواية عن أصحابنا إلا بعارض الاقتداء وصحح في الخلاصة رجوع أبي يوسف إلى قولهما فهو باتفاقهم لأن الوجوب بسبب الشروع لم يثبت وضعا بل لصيانة المؤدي وهو حاصل بتمام الركعتين فلا تلزم الزيادة بلا ضرورة قيد بقوله نوى أربعا لأنه لو شرع في النفل ولم ينو لا يلزمه إلا ركعتان اتفاقا وقيد بالشروع لأنه لو نذر صلاة ونوى أربعا لزمه أربع بلا خلاف كما في الخلاصة لأن سبب الوجوب فيه هو النذر بصيغته وضعا وأطلق في النفل فشمل السنة المؤكدة كسنة الظهر فلا يجب بالشروع فيها إلا ركعتان حتى لو قطعها قضى ركعتين في ظاهر الرواية عن أصحابنا لأنها نفل وعلى قول أبي يوسف يقضي أربعا في التطوع ففي السنة أولى ومن المشايخ من اختار قوله في السنة المؤكدة لأنها صلاة واحدة بدليل الأحكام من أنه لا يستفتح في الشفع الثاني ولو أخبر الشفيع بالبيع فانتقل إلى الشفيع الثاني لا تبطل شفعته وكذا المخيرة وتمنع صحة الخلوة وظاهر ما في فتح القدير والتبيين والبدائع الاتفاق على هذه الأحكام وينبغي أن تختص بقول أبي يوسف وتنعكس على ما هو ظاهر الرواية لكن ذكر في شرح منية المصلي أن هذه الأحكام مسلمة عند أهل المذهب فلذا اختار ابن الفضل قول أبي يوسف ونص صاحب النصاب على أنه لا يصح حيث قال وإن قطع سنة الظهر على رأس الركعتين أو الثالثة وشرع في الفرض لزمه قضاء الأربع وهو الأصح لأنه بالشروع صار بمنزلة الفرض انتهى وقيدنا بقولنا إلا بعارض الاقتداء لأن المتطوع لو اقتدى بمصلي الظهر ثم قطعها فإنه يقضي أربعا سواء اقتدى به في أولها أو في القعدة الأخيرة لأنه بالاقتداء التزم صلاة الإمام وهي أربع كذا في البدائع وقيد بقوله بعد القعود لأنه لو صلى ثلاث ركعات ولم يقعد وأفسدها لزمه أربع ركعات على الصحيح كما قدمناه وقد ذكره في شرح منية المصلي بحثا وهو منقول في البدائع كما سلف فقولهم إن كل شفع في النفل صلاة على حدة مقيد بما إذا قعد على رأس الركعتين وإلا فالكل صلاة واحدة بمنزلة الفرض فإذا أفسده لزمه الكل. (قوله: أو لم يقرأ فيهن شيئا أو قرأ في الأوليين أو الأخريين) أي قضى ركعتين في هذه المسائل الثلاث وهي من المسائل المعروفة بالثمانية والأصل فيها أن الشفع الأول متى فسد بترك القراءة تبقى التحريمة عند أبي يوسف لأن القراءة ركن زائد ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها غير أنه لا صحة للأداء إلا بها وفساد الأداء لا يزيد على تركه فلا تبطل التحريمة وعند محمد متى فسد الشفع الأول لا تبقى التحريمة فلا يصح الشروع في الشفع الثاني لأن القراءة فرض في كل من الركعتين فكما يفسد الشفع بترك القراءة فيهما يفسد بتركها في إحداهما وإذا فسدت الأفعال لم تبق التحريمة لأنها تعقد للأفعال وقد فسدت وعند الإمام أبي حنيفة إن فسد الشفع الأول بترك القراءة فيهما بطلت التحريمة فلا يصح الشروع في الشفع الثاني وإن فسد بترك القراءة في إحداهما بقيت التحريمة فصح الشروع في الشفع الثاني إلا أن القياس ما قاله محمد لكن فسادها بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه لأن الحسن البصري كان يقول بجوازها بوجود القراءة في ركعة واحدة وقوله وإن كان فاسدا لكن إنما عرفنا فساده بدليل اجتهادي غير موجب على اليقين بل يجوز أن يكون الصحيح قوله غير أنا عرفنا صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه بغالب الرأي فلم يحكم ببطلان التحريمة الثانية بيقين بالشك وإذا عرف هذا فنقول إذا ترك القراءة في الأربع قضى الركعتين الأوليين فقط عندهما لبطلان التحريمة خلافا لأبي يوسف لبقائها عنده فيقضي الشفعين وإن ترك القراءة في الأخريين فقد أفسدهما فقط فيلزمه قضاؤهما إجماعا وإذا ترك القراءة في الأوليين فقط لزمه قضاؤهما فقط إجماعا لفسادهما ولم يصح الشروع في الشفع الثاني عندهما هما حتى لو قهقه فيه لا تنتقض طهارته وعند أبي يوسف قد صح ولم يفسد لوجود القراءة فيه وأشار المصنف بهذه الثلاث إلى ثلاث أخرى أيضا فتصير المسائل ستا من الثمانية إحداها لو قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء الأخريين إجماعا ثانيها لو قرأ في الأخريين وإحدى الأوليين فعليه قضاء الأوليين إجماعا ثالثها لو قرأ في إحدى الأخريين لا غير لزمه قضاء الأوليين عندهما وعند أبي يوسف يقضي أربعا وقد قدمنا أن فساد الشفع الثاني يسري إلى الأول إذا لم يقعد بينهما فقوله أو قرأ في الأوليين مقيد بما إذا قعد على رأس الركعتين وإلا فعليه قضاء الأربع كما في العناية وفي البدائع هذا كله إذا قعد بين الشفعين قدر التشهد فأما إذا لم يقعد تفسد صلاته عند محمد بترك القعدة فلا تتأتى هذه التفريعات عنده انتهى ثم اعلم أن هذه المسائل الست تسع من حيث التصوير لأن الرابعة صادقة بصورتين ما إذا ترك في الركعة الثالثة أو ترك في الركعة الرابعة والخامسة صادقة بصورتين أيضا ما إذا ترك في الركعة الأولى أو ترك في الثانية والسادسة صادقة بصورتين أيضا ما إذا قرأ في الثالثة أو قرأ في الرابعة فالمسائل التي يجب فيها ركعتان تسع في التحقيق فإن هذه المسائل وإن اشتهرت بالثمانية لكن هي في التحقيق خمسة عشر تسع منها يلزم فيها ركعتان وست منها يلزم فيها أربع أشار إليها بقوله. (وأربعا لو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين) وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف على رواية محمد لبقاء التحريمة عندهما لما عرف في الأصل السابق وعند محمد عليه قضاء الأوليين لا غير لأن التحريمة قد ارتفعت عنده قال في الهداية وقد أنكر أبو يوسف هذه الرواية عنه وقال رويت لك عن أبي حنيفة أنه يلزمه قضاء ركعتين ومحمد لم يرجع عن روايته عنه انتهى وقال فخر الإسلام واعتمد مشايخنا رواية محمد ويحتمل أن يكون ما حكى أبو يوسف من قول أبي حنيفة قياسا وما ذكره محمد استحسانا ذكر القياس والاستحسان في الأصل ولم يذكره في الجامع الصغير انتهى وذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير أن ما رواه محمد هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وفي فتح القدير واعتمد المشايخ رواية محمد مع تصريحهم في الأصول بأن تكذيب الفرع الأصل يسقط الرواية إذا كان صريحا والعبارة المذكورة في الكتاب وغيره عن أبي يوسف من مثل الصريح على ما يعرف في ذلك الموضع فليكن لا بناء على أنه رواية بل تفريع صحيح على أصل أبي حنيفة وإلا فهو مشكل انتهى وبما ذكرناه عن قاضي خان ارتفع الإشكال لتصريحه بأنها ظاهر الرواية كأنه لثبوتها بالسماع لمحمد من أبي حنيفة لا بواسطة أبي يوسف فلذا اعتمدها المشايخ وفي غاية البيان معزيا إلى فخر الإسلام كان أبو يوسف يتوقع من محمد أن يروي كتابا عنه فصنف محمد هذا الكتاب أي الجامع الصغير وأسنده عن أبي يوسف إلى أبي حنيفة فلما عرض على أبي يوسف استحسنه وقال حفظ أبو عبد الله إلا مسائل خطأه في روايتها عنه فلما بلغ ذلك محمد ا قال حفظتها ونسي وهي ست مسائل مذكورة في شرح الجامع الصغير انتهى ولم يبينها وذكر العلامة السراج الهندي في شرح المغني فقال الأولى مسألة ترك القراءة وقد علمتها الثانية مستحاضة توضأت بعد طلوع الشمس تصلي حتى يخرج وقت الظهر قال أبو يوسف إنما رويت لك حتى يدخل وقت الظهر الثالثة المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المالك البيع نفد العتق قال إنما رويت لك أنه لا ينفد الرابعة المهاجرة لا عدة عليها ويجوز نكاحها إلا أن تكون حبلى فحينئذ لا يجوز نكاحها قال إنما رويت لك أنه يجوز نكاحها ولكن لا يقربها زوجها حتى تضع الحمل الخامسة عبد بين اثنين قتل مولى لهما فعفا أحدهما بطل الدم كله عند أبي حنيفة وقالا يدفع ربعه إلى شريكه أو يفديه بربع الدية وقال أبو يوسف إنما حكيت لك عن أبي حنيفة كقولنا وإنما الاختلاف الذي رويته في عبد قتل مولاه عمدا وله ابنان فعفا أحدهما إلا أن محمدا ذكر الاختلاف فيهما وذكر قول نفسه مع أبي يوسف في الأولى السادسة رجل مات وترك ابنا له وعبدا لا غير فادعى العبد أن الميت كان أعتقه في صحته وادعى رجل على الميت ألف دينار وقيمة العبد ألف فقال الابن صدقتما يسعى العبد في قيمته وهو حر ويأخذها الغريم بدينه وقال أبو يوسف إنما رويت لك ما دام يسعى في قيمته أنه عبد انتهى وأشار المصنف بهذه المسألة إلى مسألة أخرى تمام الثمانية (و) هي ما إذا قرأ (في إحدى الأوليين) لا غير فإنه يلزمه قضاء أربع عندهما وعند محمد ركعتان وفي التحقيق هي إشارة إلى خمسة أخرى فمسائل لزوم الأربع ست تمام الخمسة عشر فإن مسألة الكتاب أعني ما إذا قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين صادقة بأربع صور لأن إحدى الأوليين صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الأولى فقط أو في الثانية فقط وإحدى الأخريين صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الثالثة فقط أو في الرابعة فقط ومسألة ما إذا قرأ في إحدى الأوليين لا غير صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الأولى فقط أو في الثانية فقط فصار الحاصل أن مسائل ترك القراءة خمسة عشر كما قدمناه وقد ذكرناها في العناية مجملة وقال فعليك بتمييز المتداخلة بالتفتيش في الأقسام وقد يسر الله تعالى ذلك للعبد الضعيف مفصلة مميزة فلله الحمد والمنة وفي البدائع ولو كان خلفه رجل اقتدى به فحكمه حكم إمامه يقضي ما يقضي إمامه لأن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام صحة وفسادا ولو تكلم المقتدي وقد أتم الإمام الأربع فإن تكلم قبل قعود الإمام فعليه قضاء الأوليين فقط لأنه لم يلتزم الشفع الأخير وإن تكلم بعد قعوده قبل قيامه إلى الثالثة لا شيء عليه وأما إذا قام إلى الثالثة ثم تكلم المقتدي لم تذكر في الأصل وذكر عصام أن عليه قضاء أربع وخصه أبو المعين بقولهما أما عند محمد فيلزمه قضاء الأخير لا غير انتهى وفي المحيط ولو اقتدى به في الأخريين وصلاهما مع الإمام قضى الأوليين لأنه بالاقتداء التزم ما لزم الإمام. (قوله: {ولا يصلي بعد صلاة مثلها}) هذا لفظ الحديث كما في كتب الفقه وجعله في فتح القدير وغاية البيان أثرا عن عمر رضي الله عنه وقال عبد الله بن مسعود لا يصلي على أثر صلاة مثلها وهذا الحديث خص منه البعض لأنه يصلي سنة الفجر ثم الفرض وهما مثلان وكذا يصلي سنة الظهر أربعا ثم يصلي الفرض أربعا وكذا يصلي الظهر ركعتين في السفر ثم يصلي السنة ركعتين فلما لم يمكن إجراؤه على العموم وجب حمله على أخص الخصوص كما هو الحكم في العام إذا لم يمكن العمل بعمومه فقال محمد في الجامع الصغير المراد منه أن لا يصلي بعد أداء الظهر نافلة ركعتان بقراءة وركعتان بغير قراءة يعني لا تصلى النافلة كذلك حتى لا تكون مثلا للفرض بل يقرأ في جميع ركعات النفل قال قاضي خان في شرح الجامع الصغير ولو حمل على النهي عن تكرار الجماعة في المسجد أو على النهي عن قضاء الفرائض مخافة الخلل في المؤدى كان حسنا فإن ذلك مكروه انتهى واستدل في فتح القدير للأول بما في أبي داود عن سليمان بن يسار قال أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون قلت ألا تصلي معهم قال قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {لا تصلوا صلاة في يوم مرتين» وروى مالك في الموطإ حدثنا نافع أن رجلا سأل ابن عمر فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه فقال ابن عمر نعم فقال أيتهما أجعل صلاتي فقال ابن عمر ليس ذلك إليك إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء فهذا من ابن عمر دليل على أن الذي روي عن سليمان بن يسار عنه إنما أراد كلتاهما على وجه الفرض أو إذا صلى في جماعة فلا يعيد وفيه نفي لقول الشافعي انتهى فالحاصل أن تكرار الصلاة إن كان مع الجماعة في المسجد على هيئته الأولى فمكروه وإلا فإن كان في وقت يكره التنفل بعد الفرض فمكروه كما بعد الصبح والعصر وإلا فإن كان لخلل في المؤدى فإن كان ذلك الخلل محققا إما بترك واجب أو بارتكاب مكروه فغير مكروه بل واجب كما قدمناه مرارا وصرح به في الذخيرة وقال إنه لا يتناوله النهي وإن كان ذلك الخلل غير محقق بل نشأ عن وسوسة فهو مكروه وفي مآل الفتاوى ولو لم يفته شيء من الصلوات وأحب أن يقضي جميع الصلوات التي صلاها متداركا لا يستحب له ذلك إلا إذا كان غالب ظنه فساد ما صلى لورود النهي عنه صلى الله عليه وسلم وما حكي عن أبي حنيفة أنه قضى صلاة عمره فإن صح النقل فنقول كان يصلي المغرب والوتر أربع ركعات بثلاث قعدات انتهى وذكر في النهاية أن النبي صلى الله عليه وسلم: «لما صلى الفجر ضحى النهار بعد ليلة التعريس قال له أصحابه من الغد ألا نعيد صلاة الأمس فقال: إن الله ينهاكم عن الربا أفيقبله منكم» كذا ذكره فخر الإسلام وبما قررناه ظهر أن ذكر المصنف في المختصر لفظ الحديث مع أن عمومه ليس بمراد مما لا ينبغي. (قوله: ويتنفل قاعدا مع قدرته على القيام ابتداء وبناء) بيان أيضا لما خالف فيه النفل الفرائض والواجبات وهو جوازه بالقعود مع القدرة على القيام وقد حكي فيه إجماع العلماء وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان يصلي كثيرا من صلاته وهو جالس» وروى البخاري عن عمران بن الحصين مرفوعا: «من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم» وقد ذكر الجمهور كما نقله النووي أنه محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام وأما إذا صلاه مع عجزه فلا ينقص ثوابه عن ثوابه قائما وأما الفرض فلا يصح قاعدا مع القدرة على القيام ويأثم ويكفر إن استحله وإن صلى قاعدا لعجزه أو مضطجعا لعجزه فثوابه كثوابه ا هـ. وتعقبه الأكمل في شرح المشارق بأنه ورد في بعض رواياته {ومن صلى نائما أي مضطجعا فله نصف أجر القاعد» ولا يمكن حمله على النفل مع القدرة إذ لا يصح مضجعا اللهم إلا أن يحكم بشذوذ هذه الرواية وفي النهاية انعقد الإجماع على أن صلاة القاعد لعذر بعجزه عن القيام مساوية لصلاة القائم في الفضيلة والأجر انتهى وفيه نظر لما نقله النووي عن بعضهم أنه على النصف من صلاة القائم مع العذر وعليه حمل الحديث فلا إجماع إلا أن يريد به إجماع أئمتنا وذكر في المجتبى بعدما نقل الحديث قالوا وهذا في حق القادر أما العاجز فصلاته بإيماء أفضل من صلاة القائم الراكع الساجد لأنه جهد المقل انتهى ولا يخفى ما فيه بل الظاهر المساواة كما في النهاية وقد عد من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له صلى الله عليه وسلم ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر وقال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة قال فأتيته فوجدته يصلي قاعدا فوضعت يدي على رأسه فقال ما لك يا عبد الله بن عمر وقلت حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا قال أجل ولكني لست كأحد منكم» انتهى أطلق في التنفل فشمل السنة المؤكدة والتراويح لكن ذكر قاضي خان في فتاويه من باب التراويح الأصح أن سنة الفجر لا يجوز أداؤها قاعدا من غير عذر والتراويح يجوز أداؤها قاعدا من غير عذر والفرق أن سنة الفجر مؤكدة لا خلاف فيها والتراويح في التأكيد دونها انتهى وقد نقلناه في سنة الفجر في موضعها من رواية الحسن وهكذا صححه حسام الدين ثم قال الصحيح أنه لا يستحب في التراويح لمخالفته للتوارث وعمل السلف وهذا كله في الابتداء وأما قوله وبناء بأن شرع فيه قائما ثم قعد من غير عذر فهو قول أبي حنيفة وهذا استحسان وعندهما لا يجزئه وهو قياس لأن الشروع معتبر بالنذر وله أنه لم يباشر القيام فيما بقي ولما باشر صحة بدونه بخلاف النذر لأنه التزمه نصا حتى لو لم ينص على القيام لا يلزمه القيام عند بعضهم كما لو نذر صلاة لأنه في النفل وصف زائد فلا يلزمه إلا بشرط وعند البعض يلزمه القيام لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله وأينما أوجبها الله تعالى أوجبها قائما والصحيح الأول كالتتابع في الصوم كذا في المحيط وغاية البيان ورجح الثاني في فتح القدير بحثا بأن الصلاة عبارة عن القيام والقراءة إلى آخرها فهو الركن الأصلي غير أنه يجوز تركه إلى القعود رخصة في النفل فلا ينصرف المطلق إلا إليه قيدنا بكونه شرع قائما ثم قعد لأنه لو كان على عكسه فإنه يجوز اتفاقا وهو فعله صلى الله عليه وسلم كما روت عائشة أنه كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى إذا بقي عشر آيات ونحوها قام إلى آخره وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية وذكر في التجنيس أن الأفضل أن يقوم فيقرأ شيئا ثم يركع ليكون موافقا للسنة ولو لم يقرأ ولكنه استوى قائما ثم ركع جاز وإن لم يستو قائما وركع لا يجزئه لأنه لا يكون ركوعا قائما ولا ركوعا قاعدا انتهى وليس هو بناء القوي على الضعيف لأن القعود والقيام في النفل سواء والفرق لمحمد بين هذا وبين قوله ببطلان صلاة المريض إذا قدر على القيام في أثناء صلاته أن تحريمة المتطوع لم تنعقد للقعود ألبتة بل للقيام لأنه أصل هو قادر عليه ثم جاز له شرعا تركه بخلاف المريض لأنه لم يقدر على القيام فما انعقد إلا للمقدور وهو القعود ولم يذكر المصنف كيفية القعود في النفل للاختلاف فيه ففي الذخيرة والنهاية أنه في التشهد يقعد كما يقعد في سائر الصلوات إجماعا سواء كان بعذر أو بغيره أما حالة القراءة فعن أبي حنيفة تخييره بين القعود والتربع والاحتباء ونقله الكرخي عن محمد وعن أبي يوسف يحتبي وعنهما يتربع ثم قال أبو يوسف محل القعدة عند السجود وقال محمد عند الركوع وعن زفر أنه يقعد في جميع الصلاة كما في التشهد قال الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى واختاره الإمام السرخسي لأنه المعهود شرعا في الصلاة واختار الإمام خواهر زاده الاحتباء لأن عامة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر العمر كان محتبيا ولأنه يكون أكثر توجيها لأعضائه إلى القبلة لأن الساقين يكونان متوجهين كما يكون حالة القيام ا هـ. وتفسير الاحتباء أن ينصب ركبتيه ويجمع يديه عند ساقيه كذا في غاية البيان وذكر في الخلاصة عن أبي حنيفة فيه ثلاث روايات فحينئذ فالإفتاء على إحدى الروايات ولا حاجة إلى أن تضاف إلى زفر كما لا يخفى وقيد بالتنفل قاعدا لأن المتنفل مضطجعا لا يجوز عند عدم العذر كما سبق والشروع وهو منحن قريبا من الركوع لا يصح أيضا في التنفل كما يشير إليه كلام التجنيس السابق وصرح به في موضع من شرح منية المصلي. (قوله: وراكبا خارج المصر موميا إلى أي جهة توجهت دابته) أي يتنفل راكبا لحديث الصحيحين عن ابن عمر {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئ إيماء ولكنه يخفض السجدة من الركعتين» أطلقه فشمل ما إذا كان مسافرا أو مقيما خرج إلى بعض النواحي لحاجة و صححه في النهاية وما إذا قدر على النزول أو لا وقيد بخارج المصر لأنه لا يجوز التنفل عليها في المصر وقال أبو يوسف لا بأس به وقال محمد يجوز ويكره كذا في الخلاصة واختلفوا في حد خارج المصر والأصح أنها تجوز في كل موضع يجوز للمسافر أن يقصر فيه كما ذكره في الظهيرية وغيرها وأشار بقوله توجهت دابته دون أن يقول وجه دابته إليه إلى أن محل جوازها عليها ما إذا كانت واقفة أو سارت بنفسها أما إذا كانت تسير بتسيير صاحبها فلا تجوز الصلاة عليها لا فرضا ولا نفلا كما في الخلاصة وإلى أنه لا يشترط استقبال القبلة في الابتداء لأنه لما جاز الصلاة إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها كذا في غاية البيان وإلى أنه إذا صلى إلى غير ما توجهت به دابته لا يجوز لعدم الضرورة إلى ذلك كذا في السراج الوهاج ولم يشترط المصنف طهارة الدابة لأنها ليست بشرط على قول الأكثر سواء كانت على السرج أو على الركابين أو الدابة لأن فيها ضرورة فيسقط اعتبارها وصرح في المحيط والكافي بأنه الأصح وفي الخلاصة بأنه ظاهر المذهب من غير تفصيل وعلله في البدائع بأنه لما سقط اعتبار الأركان الأصلية فلأن يسقط شرط طهارة المكان أولى وقيد بالنفل لأن الفرض والواجب بأنواعه لا يجوز على الدابة من غير عذر من الوتر والمنذور وما لزمه بالشروع والإفساد وصلاة الجنازة والسجدة التي تليت على الأرض لعدم لزوم الحرج في النزول ولا يلزمه الإعادة إذا استطاع النزول كما في الظهيرية وغيرها ومن الأعذار أن يخاف اللص أو السبع على نفسه أو ماله ولم يقف له رفقاؤه وكذا إذا كانت الدابة جموحا لا يقدر على ركوبها إلا بمعين أو هو شيخ كبير لا يجد من يركبه ومن الأعذار الطين والمطر بشرط أن يكون بحال يغيب وجهه في الطين أما إذا لم يكن كذلك والأرض ندية فإنه يصلي هناك كما في الخلاصة والظاهر أن اعتبار المعين هنا إنما هو على قولهما لما عرف أن أبا حنيفة لا يعتبر قدرة الغير وفي فتاوى قاضي خان والظهيرية الرجل إذا حمل امرأته من القرية إلى المصر كان لها أن تصلي على الدابة في الطريق إذا كانت لا تقدر على الركوب والنزول انتهى والظاهر منه أنها لا تقدر بنفسها من غير معين حتى إذا قدرت على الركوب والنزول بمحرمها أو زوجها فإنه لا يجب عليها ذلك ويجوز لها صلاة الفرض على الدابة لأن أبا حنيفة لا يجعل قدرة الإنسان بغيره كقدرته بنفسه لكن ذكر في منية المصلي أنه إذا لم يكن معها محرم فإنه تجوز صلاتها على الدابة إذا لم تقدر على النزول والظاهر أن اشتراط عدم المحرم معها مفرع على قولهما فقط ولم أر حكم ما إذا كان راكبا مع امرأته أو أمه كما وقع للفقير مع أمه في سفر الحج ولم تقدر المرأة على النزول والركوب أيجوز للرجل المعادل لها أن يصلي الفرض على الدابة كما يجوز للمرأة إذا كان لا يتمكن من النزول وحده لميل المحمل بنزوله وحده وينبغي أن يكون له ذلك كما لا يخفى وأطلق في الدابة فشمل جميع الدواب وقيد به لأنه لا تجوز صلاة الماشي بالإجماع كذا في المجتبى وأطلق في النفل فشمل السنن المؤكدة قال في الهداية والسنن الرواتب نوافل وعن أبي حنيفة أنه ينزل لسنة الفجر لأنها آكد من سائرها انتهى بل روي عنه أنها واجبة وعلى هذا أداؤها قاعدا كما أسلفناه وقد قدمنا أنه ينزل للوتر اتفاقا بينه وبينهما وأطلق في الركوب خارج المصر فشمل ما إذا كان خارجه ابتداء وانتهاء إلى سلامه أو ابتداء فقط لما في الخلاصة ولو افتتحها خارج المصر ثم دخل المصر أتم على الدابة وقال كثير من أصحابنا ينزل ويتمها على الأرض انتهى وفي الظهيرية وإذا صلى على الدابة في محمل وهو يقدر على النزول لا يجوز له أن يصلي على الدابة إذا كانت الدابة واقفة إلا أن يكون المحمل على عيدان على الأرض أما الصلاة على العجلة إن كان طرف العجلة على الدابة وهي تسير أو لا تسير فهي صلاة على الدابة تجوز في حالة العذر ولا تجوز في غير حالة العذر وإن لم يكن طرف العجلة على الدابة جاز وهو بمنزلة الصلاة على السرير انتهى وهذا كله في الفرض أما في النفل فيجوز على المحمل والعجلة مطلقا كما لا يخفى وفي الخلاصة وكيفية الصلاة على الدابة أن يصلي بالإيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع من غير أن يضع رأسه على شيء سائرة أو واقفة دابته ويصلون فرادى فإن صلوا بجماعة فصلاة الإمام تامة وصلاة القوم فاسدة وعن محمد يجوز إذا كان البعض بجنب البعض انتهى وفي الظهيرية رجلان في محمل واحد فاقتدى أحدهما بالآخر في التطوع أجزأهما وهذا لا يشكل إذا كانا في شق واحد وإذا كانا في شقين اختلف المشايخ قال بعضهم إذا كان أحد الشقين مربوطا بالآخر يجوز وإذا لم يكن مربوطا لا يجوز وقال بعضهم يجوز كيفما كان إذا كانا على دابة واحدة كما لو كانا على الأرض ا هـ. وفي منية المصلي ولو سجد على شيء وضع عنده أو على سرجه لا يجوز لأن الصلاة على الدابة شرعت بالإيماء ا هـ. وينبغي حمله على ما إذا لم يكن بحيث يخفض رأسه وإلا فقد صرحوا في صلاة المريض أنه لا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه فإن فعل وهو يخفض رأسه أجزأه لوجود الإيماء وإن وضع ذلك على جبهته لا يجزئه لانعدامه كذا في الهداية وغيرها. (قوله: وبنى بنزوله لا بعكسه) أي إذا افتتح النفل راكبا ثم نزل بنى ولا يبني إذا افتتحه نازلا ثم ركب لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا للركوع والسجود لقدرته على النزول فإذا أتى بهما صح وإحرام النازل انعقد موجبا للركوع والسجود فلا يقدر على ترك ما لزمه من غير عذر وعن أبي يوسف أنه يستقبل إذا نزل أيضا وكذا عند محمد إذا نزل بعدما صلى ركعة والأصح هو الظاهر كذا في الهداية وقوله من غير عذر بيان للواقع لا للاحتراز عن العذر فإن المنقول في الخانية أن المصلي إذا ركب الدابة فسدت صلاته ورد في غاية البيان تعليل من فرق بينهما بأن النزول عمل قليل والركوب عمل كثير بأنه ممنوع لأنه لو رفع المصلي ووضع على السرج لا يبني مع أن العمل لم يوجد فضلا عن العمل الكثير والفرق الصحيح ما في الهداية ا هـ. وأورد في النهاية أن القول بالبناء فيما إذا نزل يؤدي إلى بناء القوي على الضعيف وذلك لا يجوز كالمريض إذا صلى بعض صلاته بالإيماء ثم قدر على الأركان لا يجوز له البناء تحرزا عما قلنا وأجاب بأن الإيماء من المريض دون الإيماء من الراكب لأن الإيماء من المريض بدل عن الأركان والإيماء من الراكب ليس ببدل عنها لأن البدل في العبادات اسم لما يصار إليه عند عجز غيره والمريض أعجزه مرضه عن الأركان فكان الإيماء بدلا عنها والراكب لم يعجزه الركوب عن الأركان لأنه يملك الانتصاب على الركابين فيكون ذلك منه قياما وكذلك يمكنه أن يخر راكعا وساجدا ومع هذا أطلق الشارع في الإيماء فلا يكون الإيماء بدلا فكان قويا في نفسه فلا يؤدي إلى بناء القوي على الضعيف وفرق في المحيط بوجه آخر هو أن في المريض ليس له أن يفتتح الصلاة بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود فلذلك إذا قدر على ذلك في خلال صلاته لا يبني أما الراكب هنا له أن يفتتح الصلاة بالإيماء على الدابة مع القدرة فالنزول لا يمنعه من البناء قال في النهاية قلت وعلى هذا الفرق يجب أن لا يبني في المكتوبة فيما إذا افتتحها راكبا ثم نزل لأنه ليس له أن يفتتحها بالإيماء على الدابة عند القدرة فلذلك قيد المسألة في الهداية بالتطوع وذكر الإمام الإسبيجابي أن استقبال المريض فيما إذا صح في خلال صلاته إنما كان في المكتوبة ولا رواية عنهم في التطوع في حق المريض فاحتمل أن المريض لا يستقبل أيضا في التطوع فحينئذ لا يحتاج إلى الفرق ويحتمل أنه يستقبل بخلاف الراكب والفرق ما بيناه. ا هـ. (قوله: وسن في رمضان عشرون ركعة بعد العشاء قبل الوتر وبعده بجماعة والختم مرة بجلسة بعد كل أربع بقدرها) بيان لصلاة التراويح وإنما لم يذكرها مع السنن المؤكدة قبل النوافل المطلقة لكثرة شعبها ولاختصاصها بحكم من بين سائر السنن والنوافل وهو الأداء بجماعة والتراويح جمع ترويحة وهي في الأصل مصدر بمعنى الاستراحة سميت به الأربع ركعات المخصوصة لاستلزامها استراحة بعدها كما هو السنة فيها وصرح المصنف بأنها سنة وصححه صاحب الهداية والظهيرية وذكر في الخلاصة أن المشايخ اختلفوا في كونها سنة وانقطع الاختلاف برواية الحسن عن أبي حنيفة أنها سنة وذكر في الاختيار أن أبا يوسف سأل أبا حنيفة عنها وما فعله عمر فقال التراويح سنة مؤكدة ولم، يتخرجه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا ينافيه قول القدوري أنها مستحبة كما فهمه في الهداية عنه لأنه إنما قال يستحب أن يجتمع الناس وهو يدل على أن الاجتماع مستحب وليس فيه دلالة على أن التراويح مستحبة كذا في العناية وفي شرح منية المصلي وحكى غير واحد الإجماع على سنيتها وقد سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وندبنا إليها وأقامها في بعض الليالي ثم تركها خشية أن تكتب على أمته كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما ثم وقعت المواظبة عليها في أثناء خلافة عمر رضي الله عنه ووافقه على ذلك عامة الصحابة رضي الله عنهم كما ورد ذلك في السنن ثم ما زال الناس من ذلك الصدر إلى يومنا هذا على إقامتها من غير نكير وكيف لا وقد ثبت عنه: «صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ» كما رواه أبو داود وأطلقه فشمل الرجال والنساء كما صرح به في الخانية والظهيرية وقوله عشرون ركعة بيان لكميتها وهو قول الجمهور لما في الموطإ عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة وعليه عمل الناس شرقا وغربا لكن ذكر المحقق في فتح القدير ما حاصله أن الدليل يقتضي أن تكون السنة من العشرين ما فعله صلى الله عليه وسلم منها ثم تركه خشية أن تكتب علينا والباقي مستحب وقد ثبت أن ذلك كان إحدى عشرة ركعة بالوتر كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة فإذن يكون المسنون على أصول مشايخنا ثمانية منها والمستحب اثنا عشر انتهى وذكر العلامة الحلبي أن الحكمة في كونها عشرين أن السنن شرعت مكملات للواجبات وهي عشرون بالوتر فكانت التراويح كذلك لتقع المساواة بين المكمل والمكمل انتهى وأراد بالعشرين أن تكون بعشر تسليمات كما هو المتوارث يسلم على رأس كل ركعتين فلو صلى الإمام أربعا بتسليمة ولم يقعد في الثانية فأظهر الروايتين عن أبي حنيفة وأبي يوسف عدم الفساد ثم اختلفوا هل تنوب عن تسليمة أو تسليمتين قال أبو الليث تنوب عن تسليمتين وقال أبو جعفر وابن الفضل تنوب عن واحدة وهو الصحيح كذا في الظهيرية والخانية وفي المجتبى وعليه الفتوى ولو قعد على رأس الركعتين فالصحيح أنه يجوز عن تسليمتين وهو قول العامة وفي منية المصلي إذا شكوا أنهم صلوا تسع تسليمات أو عشر تسليمات ففيه اختلاف والصحيح أنهم يصلون بتسليمة أخرى فرادى ولو سلم الإمام على رأس ركعة ساهيا في الشفع الأول ثم صلى ما بقي على وجهها قال مشايخ بخارى يقضي الشفع الأول لا غير وقال مشايخ سمرقند عليه قضاء الكل وهذا إذا لم يفعل بعد السلام المذكور شيئا مما يفسد الصلاة من أكل أو شرب أو كلام أما إذا فعل شيئا من ذلك فليس عليه إلا قضاء الشفع الأول لا غير كما في الذخيرة والخلاصة وغيرهما وفي المحيط لو صلى التراويح كلها بتسليمة واحدة وقد قعد على رأس كل ركعتين فالأصح أنه يجوز عن الكل لأنه قد أكمل الصلاة ولم يخل بشيء من الأركان إلا أنه جمع المتفرق واستدام التحريمة فكان أولى بالجواز لأنه أشق وأتعب للبدن انتهى وظاهره أنه لا يكره وقد صرح بعدم الكراهة في منية المصلي ولا يخفى ما فيه لمخالفته المتوارث مع تصريحهم بكراهة الزيادة على ثمان في مطلق التطوع ليلا فلأن يكره هنا أولى فلهذا نقل العلامة الحلبي أن في النصاب وخزانة الفتاوى الصحيح أنه لو تعمد ذلك يكره فلو لم يقعد إلا في آخرها فقد علمت أن الصحيح أنه يجزئه عن تسليمة واحدة فيما لو صلى أربعا بتسليمة فكذلك هنا وقوله بعد العشاء قبل الوتر وبعده بيان لوقتها وفيه ثلاثة أقوال الأول ما اختاره إسماعيل الزاهدي وجماعة من بخارى أن الليل كله وقت لها قبل العشاء وبعده وقبل الوتر وبعده لأنها قيام الليل ولم أر من صححه الثاني ما قاله عامة مشايخ بخارى وقتها ما بين العشاء إلى الوتر وصححه في الخلاصة ورجحه في غاية البيان بأن الحديث ورد كذلك وكان أبي رضي الله عنه يصلي بهم التراويح كذلك الثالث ما اختاره المصنف وعزاه في الكافي إلى الجمهور وصححه في الهداية والخانية والمحيط لأنها نوافل سنت بعد العشاء وثمرة الاختلاف تظهر فيما لو صلاها قبل العشاء فعلى القول الأول هي صلاة التراويح وعلى الأخيرين لا وفيما إذا صلاها بعد الوتر فعلى الثاني لا وعلى الثالث نعم هي صلاة التراويح وتظهر فيما إذا فاتته ترويحة أو ترويحتان ولو اشتغل بها يفوته الوتر بالجماعة فعلى الأول يشتغل بالوتر ثم يصلي ما فاته من التراويح وعلى الثاني يشتغل بالترويحة الفائتة لأنه لا يمكنه الإتيان بعد الوتر كذا في الخلاصة وينبغي أن يكون الثالث كالثاني كما لا يخفى ولو فاتته ترويحة وخاف لو اشتغل بها تفوته متابعة الإمام فمتابعة الإمام أولى وقد اختلفوا فيما لو تذكر تسليمة بعد الوتر فقيل لا يصلون بجماعة وقيل يصلون بها كما في منية المصلي وينبغي أن يكون مفرعا على القول الثاني والثالث وفي فتاوى قاضي خان ويستحب تأخير التراويح إلى ثلث الليل والأفضل استيعاب أكثر الليل بالتراويح فإن أخروها إلى ما بعد نصف الليل فالصحيح أنه لا بأس به وإذا فاتت التراويح لا تقضى بجماعة والأصح أنها لا تقضى أصلا فإن قضاها وحده كان نفلا مستحبا لا تراويح كسنة المغرب والعشاء وقوله بجماعة متعلق بسن بيان لكون الجماعة سنة فيها وفيها ثلاثة أقوال الأول ما اختاره المصنف أنه سنة على الأعيان حتى أن من صلى التراويح منفردا فقد أساء لتركه السنة وإن صليت في المساجد وبه كان يفتي ظهير الدين المرغيناني لصلاته عليه السلام إياها بالجماعة وبيان العذر في تركها الثاني ما اختاره الطحاوي في مختصره حيث قال يستحب أن يصلي التراويح في بيته إلا أن يكون فقيها عظيما يقتدى به فيكون في حضوره ترغيب لغيره وفي امتناعه تقليل الجماعة مستدلا بحديث: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» وهو رواية عن أبي يوسف كما في الكافي الثالث ما صححه في المحيط والخانية واختاره في الهداية وهو قول أكثر المشايخ على ما في الذخيرة وقول الجمهور على ما في الكافي إن إقامتها بالجماعة سنة على الكفاية حتى لو ترك أهل المسجد كلهم الجماعة فقد أساءوا وأثموا وإن أقيمت التراويح بالجماعة في المسجد وتخلف عنها أفراد الناس وصلى في بيته لم يكن مسيئا لأن أفراد الصحابة يروى عنهم التخلف كابن عمر على ما رواه الطحاوي والجواب عن دليل الطحاوي أن قيام رمضان مستثنى من الحديث لفعله صلى الله عليه وسلم إياه في المسجد ثم فعل الخلفاء الراشدين بعده إذ لا يختار المفضول ويجمعون عليه وأما من تخلف من الصحابة فإما لعذر أو لأنه أفضل في اجتهاده وهو معارض بما هو أولى منه وهو اتفاق الجم الغفير على خلافه فالحاصل أن القول الأول والثالث اتفقا على أفضليتها وإنما الكلام في الإساءة بالترك من البعض وأطلق المصنف في الجماعة ولم يقيدها بالمسجد لما في الكافي والصحيح أن للجماعة في بيته فضيلة وللجماعة في المسجد فضيلة أخرى فهو حاز إحدى الفضيلتين وترك الفضيلة الأخرى انتهى وفي الخلاصة إذا صلى الترويحة الواحدة إمامان كل إمام ركعتين اختلف المشايخ والصحيح أنه لا يستحب ولكن كل ترويحة يؤديها إمام واحد إمام يصلي التراويح في مسجدين كل مسجد على وجه الكمال لا يجوز لأنه لا يتكرر ولو اقتدى بالإمام في التراويح وهو قد صلى مرة لا بأس به ويكون هذا اقتداء المتطوع بمن يصلي السنة ولو صلوا التراويح ثم أرادوا أن يصلوا ثانيا يصلون فرادى انتهى وقوله والختم مرة معطوف على عشرون بيان لسنة القراءة فيها وفيه اختلاف والجمهور على أن السنة الختم مرة فلا يترك لكسل القوم ويختم في الليلة السابع والعشرين لكثرة الإخبار أنها ليلة القدر ومرتين فضيلة وثلاث مرات في كل عشر مرة أفضل كذا في الكافي وذكر في المحيط والاختيار أن الأفضل أن يقرأ فيها مقدار ما لا يؤدي إلى تنفير القوم في زماننا لأن تكثير الجمع أفضل من تطويل القراءة وفي المجتبى والمتأخرون كانوا يفتون في زماننا بثلاث آيات قصار أو آية طويلة حتى لا يمل القوم ولا يلزم تعطيلها وهذا حسن فإن الحسن روى عن أبي حنيفة أنه إن قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ هذا في المكتوبة فما ظنك في غيرها ا هـ. وفي التجنيس ثم بعضهم اعتادوا قراءة {قل هو الله أحد} في كل ركعة وبعضهم اختاروا قراءة سورة الفيل إلى آخر القرآن وهذا حسن لأنه لا يشتبه عليه عدد الركعات ولا يشتغل قلبه بحفظها فيتفرغ للتدبر والتفكر ا هـ. وصرح في الهداية بأن أكثر المشايخ على أن السنة فيها الختم وفي مختارات النوازل أن يقرأ في كل ركعة عشر آيات وهو الصحيح لأن السنة فيها الختم لأن جميع عدد الركعات في جميع الشهر ستمائة ركعة وجميع آيات القرآن ستة آلاف ا هـ. ونص في الخانية على أنه الصحيح وفي فتح القدير وغيره وإذا كان إمام مسجد حيه لا يختم فله أن يترك إلى غيره فالحاصل أن المصحح في المذهب أن الختم سنة لكن لا يلزم منه عدم تركه إذا لزم منه تنفير القوم وتعطيل كثير من المساجد خصوصا في زماننا فالظاهر اختيار الأخف على القوم كما تفعله الأئمة في زماننا من بداءتهم بقراءة سورة التكاثر في الركعة الأولى وبقراءتهم سورة الإخلاص في الثانية إلى أن تكون قراءتهم في الركعة التاسعة عشر سورة تبت وفي العشرين سورة الإخلاص وليس فيه كراهة في الشفع الأول من الترويحة الأخيرة بسبب الفصل بين الركعتين بسورة واحدة لأنه خاص بالفرائض كما هو ظاهر الخلاصة وغيرها إلا أنه قد زاد بعض الأئمة من فعلها على هذا الوجه منكرات من هذرمة القراءة وعدم الطمأنينة في الركوع والسجود وفيما بينهما وفيما بين السجدتين مع اشتمالها على ترك الثناء والتعوذ والبسملة في أول كل شفع وترك الاستراحة فيما بين كل ترويحتين وفي الخلاصة والأفضل التعديل في القراءة بين التسليمات كذا روي عن أبي حنيفة فإن فضل البعض على البعض في القراءة لا بأس به أما التسليمة الواحدة إن فضل الثانية على الأولى لا شك أنه لا يستحب وإن فضل الأولى على الثانية على الخلاف في الفرض الإمام إذا فرغ من التشهد في التراويح إن علم أن الزيادة على قدر التشهد لا تثقل يأتي بالدعوات وإن علم أنها تثقل يقتصر على الصلاة لأن الصلاة فرض عند الشافعي فيحتاط ا هـ. وعلله في فتح القدير بأن الصلاة فرض أو سنة ولا تترك السنن للجماعات كالتسبيحات ا هـ. وقوله بجلسة متعلق بسن بيان لكونه سنة فيها وتعقبه الشارح بأنه مستحب لا سنة وصرح في الهداية باستحبابه بين الترويحتين وبين الخامسة وبين الوتر لعادة أهل الحرمين و استحسن البعض الاستراحة على خمس تسليمات وليس بصحيح ا هـ. وفي الكافي والاستراحة على خمس تسليمات تكره عند الجمهور لأنه خلاف عمل أهل الحرمين ا هـ. وذكر العلامة الحلبي ويعرف من هذا كراهة ترك الاستراحة مقدار ترويحة على رأس سائر الأشفاع كما هو شأن أكثر أئمة أهل زماننا في البلاد الشامية والمصرية بطريق أولى ا هـ. ولا يخفى ما فيه لأن الاستراحة لم توجد أصلا في مسألة الكافي إلا على خمس تسليمات مع أنها ليست محل الاستراحة ولهذا قال الإمام حسام الدين في تأليف له خاص بالتراويح لاستراحة على خمس تسليمات لا تستحب على قول الأكثر وهذا هو الصحيح فإن الصحيح أنه لا يستحب إلا عند تمام كل ترويحة وهي خمس ترويحات ا هـ. بخلاف فعل الأئمة فإن الاستراحة قد وجدت وإن لم تكن تامة فكيف تكون مكروهة بالأولى وقد قالوا أنهم مخيرون في حالة الجلوس إن شاءوا سبحوا وإن شاءوا قرءوا القرآن وإن شاءوا صلوا أربع ركعات فرادى وإن شاءوا قعدوا ساكتين وأهل مكة يطوفون أسبوعا ويصلون ركعتين وأهل المدينة يصلون أربع ركعات فرادى وبهذا علم أنه لو قال بانتظار بعد كل ترويحة بدل قوله بجلسة لكان أولى وفي الخانية يكره للمقتدي أن يقعد في التراويح فإذا أراد الإمام أن يركع يقوم لأن فيه إظهار التكاسل في الصلاة والتشبه بالمنافقين قال تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} ا هـ. (قوله: ويوتر بجماعة في رمضان فقط) أي على وجه الاستحباب وعليه إجماع المسلمين كما في الهداية واختلفوا في الأفضل ففي الخانية الصحيح أن أداء الوتر بجماعة في رمضان أفضل لأن عمر رضي الله عنه كان يؤمهم في الوتر وفي النهاية اختار علماؤنا أن يوتر في منزله لا بجماعة لأن الصحابة لم يجتمعوا على الوتر بجماعة في رمضان كما اجتمعوا على التراويح لأن عمر كان يؤمهم فيه في رمضان وأبي بن كعب كان لا يؤمهم ا هـ ورجح الأول في فتح القدير بأنه صلى الله عليه وسلم كان أوتر بهم ثم بين العذر في تأخره عن مثل ما صنع فيما مضى فالوتر كالتراويح فكما أن الجماعة فيها سنة فكذلك في الوتر ولو صلوا الوتر بجماعة في غير رمضان فهو صحيح مكروه كالتطوع في غير رمضان بجماعة وقيده في الكافي بأن يكون على سبيل التداعي أما لو اقتدى واحد بواحد أو اثنان بواحد لا يكره وإذا اقتدى ثلاثة بواحد اختلفوا فيه وإن اقتدى أربعة بواحد كره اتفاقا ا هـ. وفي القنية صلى العشاء وحده فله أن يصلي التراويح مع الإمام ولو تركوا الجماعة في الفرض ليس لهم أن يصلوا التراويح جماعة لأنها تبع للجماعة ولو لم يصل التراويح جماعة مع الإمام فله أن يصلي الوتر معه ثم ذكر بعده أنه لو صلى التراويح مع غيره له أن يصلي الوتر معه هو الصحيح ا هـ. ومن رام الزيادة على ما ذكرناه من أحكام التراويح فعليه بمؤلف خاص بها للإمام الأجل حسام الدين قد اطلعت عليه والله الموفق للصواب.
|